«سَبَعْ سنين في العطّارين.. وأنا بحبك يا مصطفى»، أغنية فلكلورية شهيرة تغنى بها المغني السكندري بوب عزام، وغناها التركي – الفرنسي داريو مورينو، لكن ربما لا يدري كثيرون أن إيقاعها كان توليفة سحرية قوامها نسيج بشري من «الشوام» والمغاربة والأتراك والأرمن واليونانيين والإيطاليين واليهود والمالطيين والمصريين، عاشوا معا في أحضان حي العطّارين الشعبي بالإسكندرية
تلك التوليفة البشرية الرائعة ما زالت رائحتها تعبق أزقة وحواري الحي الموجود الذي يتوسط «عروس المتوسط»، ويمكنك أن تتحسس أثرها في لافتات المحال والحوانيت الصغيرة التي كانت ذات يوم تتلألأ؛ إذ كان محل «بولس شوحا» اللبناني الأصل من أشهر محال الأحذية في الإسكندرية، و«ليليكان» ذلك العالم السحري الذي تفتح بوابته أمامك حين تسوقك الأقدار إلى حي العطارين فتجد نفسك بين ذخائر التحف والأنتيكات المشهورة بأسماء أصحابها من المشاهير، التي يزدان بها الحي العتيق، كأنك في جاليري مفتوح.. يأسرك فيه هوس اقتناء التحف.
ويرجح بعض المهتمين أن الحي الشعبي اكتسب اسمه من جامع العطّارين، الذي ارتبطت به رواية من أهم حكايات الحي، والذي كان في الأصل معبدا صغيرا تحول مع دخول المسيحية إلى مصر إلى كنيسة القديس أثناسيوس.. ثم إلى «جامع العطّارين»وفى رواية أخرى سمي الحى بهذا الاسم لوجود سوق (العطارين) بوسط الإسكندرية عندما كانت مركزا تجاريا مهما، واشتهرت بتجارة التوابل، خاصة في ظل الفتح العربي لمصر، وكان سوق العطّارين مشهوربالتوابل والعطور، بل اعتبر من أشهر أسواق العطارة في العالم».
وبمرور الزمن، اختفت دكاكين العطّارين وظهرت محال بيع الأنتيكات والأثاث القديم والجديد في عقد الخمسينات من القرن الماضي، التي قامت على بيع ممتلكات الأجانب الذين غادروا المدينة، ويعود بعضها إلى العصر النابليوني. هذا، وقد حظيت محال التحف والأنتيكات في العطارين بشهرة عالمية، فيأتي إليها المنقبون من كل البلاد بحثا عن قطعة نادرة أو لوحة فنية أصلية، ومن أشهر زوار هذه المحال الملكة صوفيا، ملكة إسبانيا (اليونانية الأصل والمولد)، التي تربت في الإسكندرية، وكذلك الفنانة العالمية الراحلة داليدا.
وعلى أطراف حي العطّارين من ناحية محطة مصر، يوجد «مقهى علبة» الشهير الذي يجتمع على طاولاته تجار التحف والأنتيكات وتقع فى شارع العطّارين على مقربة من المسرح الروماني. «بياصة الشوام»التي تعتبر من أهم المناطق المميزة لحي العطّارين، و«البياصة» باللهجة الإسكندرانية كلمة محرّفة عن كلمة «لا بياتزا» la piazza الإيطالية التي تعني «الميدان» أو «الساحة»، وأشهر المحال فيها مطعم «ملك السمّان» لصاحبه اللبناني الأصل إلياس، وهو المطعم الوحيد بالإسكندرية الذي يشتهر بتقديم السمّان المشوي اللذيذ ويعتبر هذا المطعم محل مشاهير الفن والغناء والسياسة، ومنهم: فريد الأطرش وأسمهان وعبد الحليم حافظ وأحمد زكي ومحمود عبد العزيز ومصطفى قمر، وبعض الوزراء المصريين ورجال الأعمال العرب.
ومن أشهر المخابز بالعطّارين «مخبز أثينا» الذي يعود تاريخه لأكثر من مائة عام، وكان يملكه يوناني يدعى كوستا قبل أن يتركه لأحد العاملين به. أما سوق «الكانتو» فهي أهم وأكبر وأقدم سوق للملابس المستعملة بالإسكندرية،
وكان أهم ما يميز الحي العتيق محلات الرهنيات التي كان يديرها اليهود
وحقا العطّارين حي تجاري بامتياز، فلا يوجد به شبر واحد لا يشغله محل؛ فهناك محال البقالة لأصحابها اليونانيين، ومحال لبيع الساعات التي عمل بها الأرمن، ومحال بيع الكتب القديمة والنادرة التي كانت قبلة لكبار الكتاب والمفكرين المصريين. وما إن يأتي صباح يوم الجمعة من كل أسبوع حتى تجد حي العطّارين يعاني من زحام وجلبة.. إنها أسواق اليوم الواحد التي تقام بشارع «الخديوي»، التي تعد أشهرها «سوق العصافير» لمحبي اقتناء الطيور النادرة، ثم تبعتها سوق أسماك الزينة وسوق شتلات النباتات.ومن أبرز معالم العطّارين، «المؤسسة الثقافية اليونانية» بشارع «سيدي المتولي»، التي كانت في الأصل مدرسة «أفيروف» الثانوية للبنات، ويعود تاريخها لأكثر من مائة سنة. كما توجد في الحي الكنيسة الإنجيلية التي يعود تاريخها إلى عام 1854، والمدرسة الألمانية لراهبات القديس شارل بوروميه، وعمارة «ليبون» الخاصة بشركة توزيع الكهرباء الفرنسية بالإسكندرية.. التي أدخلت أول عداد كهرباء عام 1895.
ومن أشهر شوارع الحي، شارع الخديوي المؤدي إلى ميناء الإسكندرية، وشوارع السمعاني والوداد والفولي.. كذلك يشتهر الحي بوجود ورشات لإصلاح مختلف أنواع السيارات في شارع صلاح الدين
كتبت داليا عاصم
Hits: 427